السبت ٢٣ / أغسطس / ٢٠٢٥
من نحن اتصل بنا سياسة الخصوصية
×

الباحثة رقية الأشرم تكتب .. الانتخابات وتعزيز الاستقرار الوطنى

الباحثة رقية الأشرم تكتب .. الانتخابات وتعزيز الاستقرار الوطنى
Egypress 24

في ظل التحديات الأمنية والاقتصادية التي تواجهها مصر، تكتسب الانتخابات أهمية خاصة كونها وسيلة للحفاظ على الأمن القومي والاستقرار من خلال مشاركة المواطنين في اختيار قادة يعبرون عن مصالحهم ، لذلك نتمنى أن نرى فى الانتخابات القادمة النزاهة والضمير لكى نرى مجلس يمثل الشعب فعلا عندما تُجرى الانتخابات النيابية الجديدة في مصر، «الشيوخ» ثم «النواب»، فإن أنظار العالم كله تتجه إليها، نظرًا لما تمثله من حجر الزاوية في المنطقة، خصوصًا أنها رائدة الحياة النيابية في الشرق الأوسط منذ القرن الثامن عشر ، تلك الانتخابات المرتقبة التي ستُجرى قريبًا ليست مجرد حدث سياسي دوري، بل هي اختبار حقيقي لمدى جدّية الدولة في تكريس الحياة الديمقراطية، وتجديد دماء المؤسسات التشريعية، وترسيخ فكرة التمثيل الشعبي الفعلي ، وبالحديث عن الانتخابات، فالبداية تكون من المرشح، لأن النائب ليس رجل دعاية، ولا وسيط خدمات، ولا صاحب وجاهة اجتماعية، بل هو ممثل الشعب داخل البرلمان، وحارس الدستور، ومُحاسِب الحكومة، وصوت المواطن أمام السلطة التنفيذية ، لذلك فإن من يرغب بالدخول إلى هذا الميدان، يجب أن يدخله كجندي في معركة الوعي والتشريع والمحاسبة، لا كمستثمرٍ يبحث عن عوائد شخصية أو واجهة سياسية، فالمنصب النيابي لم يعد يحتمل المجاملة، ولا التساهل، أو الاستعراض ، ما نحتاجه في البرلمان القادم ليس مزيدًا من الأسماء اللامعة، بل إلى عقول وطنية، تمتلك رؤىً حقيقية ومشروعًا سياسيًا ومجتمعيًا قابلاً للتطبيق، فالكفاءة لم تعد ترفًا، بل ضرورة حتمية لإنقاذ ما تبقى من الثقة الشعبية في العملية السياسية ، ويجب أن نضع معايير صارمة لاختيار المرشحين، فالوطن يُفترض فيه أنه يُدار بالعقول والكفاءات، والنائب يجب أن يتمتع بمؤهلات عدة، أهمها الوعي السياسي والدستوري، لفهم دوره في التشريع والرقابة، والخبرة المجتمعية، للتفاعل مع قضايا المواطنين وفهم مشكلاتهم، والاستقلالية الفكرية، ليتمكن من اتخاذ قرارات وطنية لا تُمليها مصالح ضيقة، إضافة إلى القدرة على الحوار والمساءلة ، إننا نعتقد أن مَن يصل إلى البرلمان بغير كفاءة، سيقضي سنواته مدافعًا عن مصالحه، لا عن مصالح الشعب، وهكذا يتحول المجلس من منبر للرقابة، إلى غرفة خلفية لتصفية الحسابات الاقتصادية والسياسية، ولذلك يجب التأكيد على أن البرلمان القادم يجب أن يعمل على تقليص الهوَّة بين السلطة والشعب ، المؤسف أن الأحزاب السياسية في مصر ما تزال في معظمها ضعيفة، فاقدة للفاعلية، ومفتقرة للرؤية.. والحياة الحزبية الآن إما مقيدة بالقوانين والقيود البيروقراطية، أو محاصرة بالعزوف الشعبي عنها، أو مرتهنة لتحالفات مشوهة لا تعكس إرادة الشارع ، لذلك، نحن على قناعة تامة بأن البرلمان القوي لا يأتي من مرشحين مستقلين فقط، بل من أحزاب تمتلك قواعد شعبية، وتنظيمات حقيقية، وبرامج واضحة، ومواقف جريئة، وإذا لم تُنقذ الأحزاب نفسها من الغرق، فلن تستطيع إنقاذ نفسها من غياهب النسيان ، إذن، الشعب يريد برلمانًا يُشبه الشعب بآماله وتنوعه، وهمومه، وتحدياته، برلمانًا لا يُقصي الشباب ولا يُهمّش المرأة، ولا يُغلق الأبواب أمام الكفاءات المستقلة، برلمانًا يكون ساحة لصناعة القرار، فالبرلمان «بغرفتيه»، ليس ناديًا اجتماعيًا أو وسيلة لتحقيق الامتيازات، بل هو مؤسسة رقابية وتشريعية، والناخب حين يمنح صوته، فهو يفوّض النائب للدفاع عن قضاياه والوقوف في صفه، لا أن يتحول إلى جزء من نخبة منعزلة ،نحن الآن في لحظة فارقة، يجب استثمارها لإعادة بناء الثقة في العملية السياسية، أو التفريط فيها، خصوصًا أن الانتخابات النيابية هي حجر الزاوية في بناء مؤسسات الحكم الرشيد، والانتخابات القادمة ستكون محطة مهمة لتعبّر عن الإرادة الشعبية، وتأسيس عقد اجتماعي متجدد بين المواطن والدولة ، لذلك يجب أن يُدرك الناخب أن صوته هو أداة التغيير الأهم، وألا يَمنح صوته لمن لا يملك مشروعًا لوطنٍ، يعيش فيه أولاده بأمان وكرامة، فالانتخابات القادمة ليست اختبارًا للمرشحين وحدهم، بل اختبار للوطن بأسره: هل نريد مستقبلًا أفضل؟ أم نكتفي بإعادة إنتاج الفشل؟

أخيرًا.. بدون مرشحين مستقلين أقوياء وأحزاب قوية ممثلة فعليًا لقواعد شعبية حقيقية، سيظل البرلمان أقرب إلى تشكيلات فردية ومصلحية لا تعكس التنوع السياسي والاجتماعي للمجتمع المصري، فما يهم المواطن في نهاية المطاف هو أداء البرلمان، ومدى قدرته على تحقيق تطلعاته.